لا شك ان التكنولوجيا ساهمت في بناء صناعات كثير مختلفة منذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر الى هذا اليوم.
و عن صناعة الأزياء فهي كحال اي صناعة، طالتها أيضا يد التكنولوجيا بتقلباتها و تطوراتها و إلى هذا اليوم التطورات متسارعة .
التكنولوجيا في عالم الأزياء تختلف من العقد للآخر، ففي الستينات ارتبطت التكنولوجيا بهوس الانسان بالصعود الى الفضاء والقمر، و نتج عن تلك الرحلات المتكررة للصعود الى الفضاء حركة Space Age والتي عبرت عنها الفنون على عدة اصعدة وكذلك الازياء. مصممين كـ اندريه كوريج و باكو رابان استخدموا خيالهم الخاص لتصميم ازياء مستقبلية -حسب تصورهم- بخامات تنقل شعور بزّة روّاد الفضاء بالألوان المعدنية كالفضي والذهبي وخامات مثل الفينيل والبلاستيك وحتى رقائق الألمنيوم التي صوّرت هذا المفهوم.
أما في التسعينات، فالمصمم ألكساندر مكوين لديه علاقة فريدة في التعامل مع التكنولوجيا وابرازها من خلال ازياءه.
ففي موسم ربيع وصيف 1999، قدم مكوين مجموعة ازياء كان المشهد الختامي فيها يوضح تفاعل الانسان مع الآلة حيث خرجت العارضة بفستان ابيض نقي تلطخ بألوان صارخة بشكل عشوائي من خلال روبوتات تصوّب الالوان تجاهها وكأنما الروبوتات تحمل ضغناء ضد العارضة!
و في اخر مجموعة قدمها مكوين قبل وفاته في سنة 2009، الروح التكنولوجية كانت حاضرة في الطبعات الرقمية التي تم صنعها وتصميمها بطريقة هندسية على ابعاد جسد العارضات. الطبعات كانت لرسومات مستلهمة من عناصر الطبيعة كأعماق البحر والزواحف وحراشف الأسماك بشكل متداخل ومتضارب ومميز. يعد هذا العرض أول عرض ازياء يتم بثّه بشكل حي!
جميع هذه الأمثلة هي لمصممين من عقود ماضية بتصور مثير للاهتمام عن المستقبل!
اليوم وبلا أدنى شك نحن نعيش هذا (المستقبل) الذي صوّره عدة مصممين منذ سنوات عديدة ويمكن القول بأنه مختلف الى حد كبير عن تلك النظرة الحالمة والسريالية!
لكن ماذا لو كان بالإمكان توظيف التكنولوجيا في الازياء بشكل أكبر من مجرد أداء استعراضي؟!
شهدت العقود الاخيرة من صناعة الازياء محصّلة سنوات من نظام أسهم في زيادة التلوث على الكرة الأرضية وبالتالي، كردة فعل، القيم التي يحملها الجيل الجديد اليوم تشكّلت بناء على هذه الظروف والمعطيات!
الاستدامة تعتبر اليوم قيمة اساسية لدى الكثير من الجيل الواعد من المصممين.
مصممة الازياء الفرنسية مارين سير الحاصلة على جائزة LVMH في سنة 2017 بعد عام واحد من تخرجها، قامت بتقديم أزياء معاد تدويرها من اقمشة قديمة كأوشحة الحرير والسجاد مع مساعدة التكنولوجيا في ابتكار اقمشة يمكن ان تتحلل تماماً مثل الخامات والاقمشة المصنوعة من مواد طبيعية!
و أما ماركة كوبيرني للمصممين سباستيان ماير وارناد ڤيلنت فقد عُرفت مؤخراً بمشهد رش البوليمرات على جسد عارضة الأزياء بيلا حديد والتي تحولت مباشرة الى فستان حقيقي. العلامة لا تقف عند هذا الحد الاستعراضي ، بل تلعب على وتر تطوير الاقمشة بأسلوب تكنولوجي غير تقليدي متقدم للغاية مثل الاقمشة التي تقي الجلد من الجفاف وتحميه من المايكروبات!
عدة مصممات من المملكة العربية السعودية تستخدم التكنولوجيا في عملية التصميم. المصممة كوثر الهريش اعتمدت على برنامج ذو تقنية ثلاثية الابعاد خاص بالتصميم المعماري لبناء هيكل فستان "حائل".
واما المصممة ريما البوادري، فقد قدمت قطعة في كأس الخيل 2024 تتضمن تقنية كهروميكانيكية تحرّك نبتات الخزامى المثبتة على الفستان لتُحاكي حركة الخزمى في الطبيعة بشكل فني.
السنوات القليلة الماضية كانت اشبه بالفتره الإنتقالية من زمن مشاركة الصور عبر حسابات التواصل الاجتماعي، الى خلق حياة كاملة على منصة الواقع الافتراضي المتاڤيرس و البيع والشراء وتقديم مجموعات ازياء في NFT!
وفي الجانب الاخر، يدخل الذكاء الصناعي او AI في الساحة ويطرح تساؤلات الى أي مدى يمكن أن يتم توظيفه في عالم الازياء ؟
في الحقيقة، الذكاء الصناعي بدأ يؤرق الكثير من العاملين في صناعة الازياء لخوفهم ان يخسروا وظائفهم. شركات ازياء كثيرة مثل Levi للجينز بدأت باستخدام عارضات وعارضي ازياء AI بجماليات ومعايير جسدية متنوعة مما عرضهم للكثير من الانتقادات على الرغم من توفير هذه التقنية للتكاليف والوقت حتى.
هاجس آخر يرتبط بتقنية AI في عملية تصميم الأزياء تحديداً، وهي في توليد تصاميم مبنية ومنسوخة من صور موجودة بالفعل. ولأن تقنية AI لا يمكن ان تعمل بلا صور اساسية فهذا قد يعرّض المصممين الجدد الى سرقة ابداعاتهم الخاصة.
شركات ناشئة مثل شركة Raspberry والتي جمعت للتو 4.5 مليون دولار في جولة تمويلية مؤخراً، تقوم بتطوير ادوات التصميم بتقنية AI أملاً في ان تكون ضمن مراحل التصميم بالنسبة لمصممي الازياء.
الشركة تبتعد عن استخدام صور من مواقع بيع التجزئة الإلكترونية او مواقع الماركات والمصممين لتفادي مشكلة الحقوق والسرقات. عوضاً عن ذلك، تستخدم Raspberry بيانات طرف ثالث وبيانات عامة مرتبطة بالموضة ومصممة خصيصًا كمُدخلات مناسبة لتقنية AI. الموقع كذلك مدرّب على مئات الآلاف من صور الأزياء، وكذلك احتواءها على 300 كلمة رئيسية خاصة بالموضة، فالموقع يميز اشكال القصات والخامات المختلفة ويمكنه إنشاء صور لكل على حدة.
وللإجابة على الشكوك والمخاوف ضد استخدام AI، نتتبع خط التطور التكنولوجي في عالم الازياء لنجد بأن التكنولوجيا عموماً بالفعل تُنهي مهام ووظائف موجودة ولكنّها تُتيح الباب لفُرص أخرى.
هذه التقنية يمكن ان تدخل بشكل كبير في خطوات عمل تصميم الازياء مثل التصميم وصنع البترون كونها تقدم مخرجات بنسبة خطأ قليلة جداً بالتالي تُقلل نسبة النفايات وكذلك تجعل من القطعة جاهزة للتصنيع.
و تشير ايضاً التكهنات من عدة روّاد في مجال AI بأن هذه التقنية لن تستطيع ان تحل محل الاعمال اليدوية كالخياطة والقص على الاقل ليس في المستقبل القريب.
لايمكن التنبؤ بشكل دقيق عن ماذا سيكون المستقبل التكنولوجي و الذكاء الصناعي في عالم الازياء، ولكن يظل التفاؤل موجود عند توظيفه في حل المشكلات مع ابقاء سير العمل مرناً للاستفادة القصوى من هذه التقنيات وابتكار حلول لمشاكل تصميم الازياء وتسهيلها.
الكاتبة : هديل حسين
@HauteHadeel